هل الانسان مسير أم مخير؟؟؟؟؟؟؟؟
رااااائعة
د.مصطفى محمود .......حوار مع صديقى الملحد
- اذا كان الله قدّر عليّ افعالي .. فلماذا يحاسبني ..؟ -
قال الملحد " انتم تقولون ان الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر , وان الله قدر علينا افعالنا .
فاذا كان هذا هو حالي . وان افعالي كلها مقدرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ..؟
لا تقل لي كعادتك .. انا مخير .. فليس هناك فرية اكبر من هذه الفرية ودعني اسألك :
هل خيرت في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ..؟
هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ..؟
هل باختياري ينزل عليّ القضاء ويفاجئني الموت واقع في المأساة فلا اجد مخرجاً الا الجريمة .. ؟؟
لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ..؟.
واذا قلت انك حر. وان لك مشيئة الى جوار مشيئة الله الا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات .؟.
ثم ما قولك في حكم البئية والظروف، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون؟"
اطلق صاحبي الملحد هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصور اني توفيت وانتهيت. ولم يبق امامه الا استحضار الكفن ..
قلت له في هدوء :-
انت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه . ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه ..
انها مقدورة في علمه فقط . كما تقدّر انت بعلمك ان ابنك سوف يزني . ثم يحدث ان يزني بالفعل .. فهل اكرهته ؟ او كان هذا تقديراً في العلم وقد اصاب علمك ؟
اما كلامك عن الحرية بانها فرية . وتدليلك على ذلك بأنك لم تخير في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك. وانك لم تملك نقل الشمس من مكانها. هو تخليط اخر ..
وسبب هذا التخليط هذه المرة انك تتصور الحرية بطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين ..
انت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول اكنت استطيع ان اخلق نفسي ابيض او اسود او طويلاً او قصيراً ..
هل بامكاني ان انقل الشمس من مكانها او اوقفها في مدارها .. اين حريتي .؟؟..
ونحن نقول له : انت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده ..
نحن ايضاً لا نقول بهذه الحرية :
)وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(
ليس لاحد الخيرة في مسألة الخلق . لان الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ..
ولن يحاسبك الله على قصرك . ولن يعاتبك على طولك . ولن يعاقبك لانك لم توقف الشمس في مدارها ..
ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف. وانت في هذا المجال حر. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها .
انت حر ان تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة .. انت تستطيع ان تجود بمالك ... انت تستطيع ان تكذب او تصدق ..
وتستطيع ان تكف بصرك عن عورات الاخرين .. وتستطيع ان تمسك لسانك عن الغيبة او النميمة ..
في هذا المجال نحن احرار .. وفي هذا المجال نحاسب ونسأل ..
الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة ..
حرية الانسان في مجال التكليف ..
وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها شعورنا الفطري بها في داخلنا ..
فنحن نشعر بالمسئولية والندم على الخطأ .. وبالراحة للعمل الطيب ..
ونحن نشعر كل لحظة اننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة .
بل ان وظيفة عقلنا الاولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات ..
ونحن نفرق بشكل واضح بين يدنا وهي ترتعش بالحمى .. ويدنا وهي تكتب خطاباً .
فنقول ان الحركة الاولى جبرية قهرية .. والحركة الثانية حرة اختيارية .
ولو كنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة ..
ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة اكراه القلب على شيء لا يرضاه تحت أي ضغط ..
فيمكنك ان تُكره امرأة بالتهديد والضرب على ان تخلع ثيابها ..
ولكنك لا تستطيع بأي ضغط او تهديد ان تجعلها تحبك من قلبها ..
ومعنى هذا ان الله اعتق قلوبنا من كل صنوف الاكراه والاجبار وانه فطرها حرة ..
ولهذا جعل القلب والنية عمدة الاحكام .
فالمؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما ان قلبه من الداخل مطمئن بالايمان وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى :
)إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ(
والوجه الاخر من الخلط في هذه المسألة ان بعض الناس يفهم حرية الانسان بانها علو على المشيئة .. وانفراد بالامر ..
فيتهم القائلين بالحرية بانهم اشركوا بالله وجعلوا له انداداً يأمرون كأمره . ويحكمون كحكمه . وهذا ما فهمته انت ايضاً .
فقلت بتعدد المشيئات . وهو فهم خاطيء . فالحرية الانسانية لا تعلو المشيئة الالهية ..
ان الانسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الالهي ولكنه لا يستطيع ان يفعل ما ينافي المشيئة ..
الله اعطانا الحرية ان نعلو على رضاه ( فنعصيه ) ..
ولكن لم يعط احداً الحرية في ان يعلو على مشيئته . وهنا وجه اخر من وجوه نسبية الحرية الانسانية ..
وكل ما يحدث منا داخل في المشيئة الالهية وضمنها، وان خالف الرضا الالهي وجانب الشريعة ..
وحريتنا ذاتها كانت منحة الهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره ولم نأخذها منه كرهاً ولا غصباً ..
ان حريتنا كانت عين مشيئته ..
ومن هنا معنى الاية : )وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ( (الانسان:30)
لان مشيئتنا ضمن مشيئته . ومنحة منه . وهبة من كرمه وفضله .
فهي ضمن ارادته لا ثنائية ولا تناقض . ولا منافسة منا لامر الله وحكمه ..
والقول بالحرية بهذا المعنى لا ينافي التوحيد . ولا يجعل لله انداداً يحكمون كحكمه ويأمرون كامره .. فإن حرياتنا كانت عين امره ومشيئته وحكمه ...
والوجه الثالث للخلط ان بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتيسير والتخيير؛ فهموا القضاء والقدر بأنه اكراه للانسان على غير طبعه وطبيعته ..
وهذا خطأ وقعت فيه انت ايضاً ..
وقد نفى الله عن نفسه الاكراه بآيات صريحة :
)إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ( (الشعراء:4)
والمعنى واضح انه كان من الممكن ان نكره الناس على الايمان بالايات الملزمة ولكننا لم نفعل . لانه ليس في سنتنا الاكراه ..
)لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( (البقرة: من الآية256)
)وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(
ليس في سنة الله الاكراه ..
والقضاء والقدر لا يصح ان يفهم على انه اكراه للناس على غير طبائعهم . وانما على العكس ..
الله يقضي على كل انسان من جنس نيته. ويشاء له من جنس مشيئته. ويريد له من جنس ارادته. لا ثنائية .
تسيير الله هو عين تخيير العبد. لانه الله يسير كل امرىء على هوى قلبه وعلى مقتضى نياته .
)مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ( (الشورى:20)
)فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ( (البقرة:10)
)وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ( (محمد:17)
وهو يخاطب الأسرى في القرآن :
)يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( (لأنفال:70)
الله يقضي ويقدر. ويجري قضاؤه وقدره على مقتضى النية والقلب. ان شراً فشر وان خيراً فخير ..
ومعنى هذا انه لا ثنائية .. التسيير هو عين التخيير . ولا ثنائية ولا تناقض ..
الله يسيرنا الى ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا. فلا ظلم ولا اكراه ولا جبر. ولا قهر لنا على غير طبائعنا .
( فاما من اعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * واما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى )
)وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى( (لأنفال: من الآية17)
هنا تلتقي رمية العبد والرمية المقدورة من الرب . فتكون رمية واحدة ..
وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر على العبد النية. وعلى الله التمكين. ان خيراً فخير وان شرا فشر .
والحرية الانسانية ليست مقداراً ثابتاً . ولكنها نسبية قابلة للزيادة .
الانسان يستطيع ان يزيد من حريته بالعلم . باختراع الوسائل والمواصلات استطاع الانسان ان يطوي الارض . ويهزم المسافات ويخترق قيود الزمان والمكان . وبدراسة قوانين البيئة استطاع ان يتحكم فيها ويسخرها لخدمته .
وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام . وبذلك يضاعف من حرياته في مجال الفعل .
العلم كان وسيلة الى كسر القيود والاغلال واطلاق الحرية .
اما الوسيلة الثانية فكانت الدين. الاستمداد من الله بالتقرب منه.
والاخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد . وهذه وسيلة الانبياء ومن في دربهم .
سخر سليمان u الجن وركب الريح وكلم الطير بمعونة الله U ومدده .
وشق موسى u البحر .. واحيا المسيح uالموتى . ومشى على الماء . وابراء الاكمه والابرص والاعمى .
ونقرأ عن الاولياء اصحاب الكرامات الذين تطوى لهم الارض وتكشف لهم المغيبات ,
وهي درجات من الحرية اكتسبوها بالاجتهاد في العبادة والتقرب الى الله والتحبب اليه .
فافاض عليهم من علمه المكنون ..
انه العلم مرة اخرى ..
ولكنه هذه المرة العلم (( اللدني ))
ولهذا يلخص ابو حامد الغزالي مشكلة المخير والمسير قائلاً في كلمتين :
( الانسان مخير فيما يعلم .. مسير فيما لا يعلم )
وهو يعني بهذا انه كلما اتسع علمه اتسع مجال حريته .
سواء كان العلم المقصود هو العلم الموضوعي او العلم اللدني .
ويخطئ المفكرون الماديون اشد الخطأ حينما يتصورن الانسان اسير الحتميات التاريخية والطبقية.. ويجعلون منه حلقة في سلسلة من الحلقات لا فكاك له. ولا مهرب من الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع. كانما هو قشة في تيار بلا ذراعين وبلا ارادة
والكلمة التي يرددونها ولا يتعبون من ترديدها وكأنها قانون ( حتمية الصراع الطبقي )
وهي كلمة خاطئة في التحليل العلمي . لانه لا حتميات في المجال الانساني ..
وانما على الاكثر ترجيحات واحتمالات . وهذا هو الفرق بين الانسان والتروس .. والآلات والاجسام المادية ..
فيمكن التنبؤ بكسوف الشمس بالدقيقة والثانية ..
ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلية على مدى الايام والسنين ..
اما الانسان فلا يمكن ان يعلم احد ماذا يضمر وماذا يخبئ في نياته..
وماذا يفعل غداً او بعد غد .
ولا يمكن معرفة هذا الا على سبيل الاحتمالات والترجيح والتخمين .
وذلك على فرض توفر المعلومات الكافية للحكم .
وقد اخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس ..
فلم تبدا الشيوعية في بلد متقدم كما تنبأ . بل في بلد متخلف .
ولم يتفاقم الصراع بين الراسمالية والشيوعية. بل تقارب الاثنان الى حالة من التعايش السلمي .
واكثر من هذا فتحت الشيوعية ابوابها لراس المال الامريكي ..
ولم تتصاعد التناقضات في المجتمع الراسمالي الى الافلاس الذي توقعه كارل ماركس .
بل على العكس. ازدهر الاقتصاد الراسمالي ووقع الشقاق والخلاف بين اطراف المعسكر الاشتراكي ذاته ..
اخطأت حسابات ماركس جميعها دالة بذلك على خطأ منهجه الحتمي .
وراينا صراع العصر الذي يحرك التاريخ هو الصراع اللاطبقي بين الصين وروسيا .
وليس الصراع الطبقي الذي جعله ماركس عنوان منهجه .
وكلها شواهد على فشل الفكر المادي في فهم الانسان والتاريخ .
وتخبطه في حساب المستقبل . وجاء كل ذلك نتيجة خطأ جوهري .
هو ان الفكر المادي تصور ان الانسان .. ذبابة في شبكة الحتميات .
ونسي تماماً ان الانسان حر . وان حريته حقيقية ...
اما كلام الماديين عن حكم البيئة والمجتمع والظروف. وان الانسان لا يعيش وحده ولا تتحرك حريته في فراغ .
نقول رداً على هذا الكلام :
ان حكم البيئة والمجتمع والظروف كمقاومات للحرية الفردية انما يؤكد المعنى الجدلي لهذه الحرية ولا ينفيه ..
فالحرية الفردية . لا تؤكد ذاتها الا في وجه مقاومة تزحزحها .
اما اذا كان الانسان يتحرك في فراغ بلا مقاومة ومن أي نوع . فأنه لا يكون حراً بالمعنى المفهوم للحرية .. لانه لن تكون هناك عقبات يتغلب عليها ويؤكد حريته من خلالها ...
رااااائعة
د.مصطفى محمود .......حوار مع صديقى الملحد
- اذا كان الله قدّر عليّ افعالي .. فلماذا يحاسبني ..؟ -
قال الملحد " انتم تقولون ان الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر , وان الله قدر علينا افعالنا .
فاذا كان هذا هو حالي . وان افعالي كلها مقدرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ..؟
لا تقل لي كعادتك .. انا مخير .. فليس هناك فرية اكبر من هذه الفرية ودعني اسألك :
هل خيرت في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني ..؟
هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ..؟
هل باختياري ينزل عليّ القضاء ويفاجئني الموت واقع في المأساة فلا اجد مخرجاً الا الجريمة .. ؟؟
لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ..؟.
واذا قلت انك حر. وان لك مشيئة الى جوار مشيئة الله الا تشرك بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات .؟.
ثم ما قولك في حكم البئية والظروف، وفي الحتميات التي يقول بها الماديون التاريخيون؟"
اطلق صاحبي الملحد هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة وقد تصور اني توفيت وانتهيت. ولم يبق امامه الا استحضار الكفن ..
قلت له في هدوء :-
انت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند الله في كتابه . ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه ..
انها مقدورة في علمه فقط . كما تقدّر انت بعلمك ان ابنك سوف يزني . ثم يحدث ان يزني بالفعل .. فهل اكرهته ؟ او كان هذا تقديراً في العلم وقد اصاب علمك ؟
اما كلامك عن الحرية بانها فرية . وتدليلك على ذلك بأنك لم تخير في ميلادك ولا في جنسك ولا في طولك ولا في لونك ولا في موطنك. وانك لم تملك نقل الشمس من مكانها. هو تخليط اخر ..
وسبب هذا التخليط هذه المرة انك تتصور الحرية بطريقة غير تلك التي نتصورها نحن المؤمنين ..
انت تتكلم عن حرية مطلقة .. فتقول اكنت استطيع ان اخلق نفسي ابيض او اسود او طويلاً او قصيراً ..
هل بامكاني ان انقل الشمس من مكانها او اوقفها في مدارها .. اين حريتي .؟؟..
ونحن نقول له : انت تسأل عن حرية مطلقة .. حرية التصرف في الكون وهذه ملك لله وحده ..
نحن ايضاً لا نقول بهذه الحرية :
)وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(
ليس لاحد الخيرة في مسألة الخلق . لان الله هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ..
ولن يحاسبك الله على قصرك . ولن يعاتبك على طولك . ولن يعاقبك لانك لم توقف الشمس في مدارها ..
ولكن مجال المساءلة هو مجال التكليف. وانت في هذا المجال حر. وهذه هي الحدود التي نتكلم فيها .
انت حر ان تقمع شهوتك وتلجم غضبك وتقاوم نفسك وتزجر نياتك الشريرة وتشجع ميولك الخيرة .. انت تستطيع ان تجود بمالك ... انت تستطيع ان تكذب او تصدق ..
وتستطيع ان تكف بصرك عن عورات الاخرين .. وتستطيع ان تمسك لسانك عن الغيبة او النميمة ..
في هذا المجال نحن احرار .. وفي هذا المجال نحاسب ونسأل ..
الحرية التي يدور حولها البحث هي الحرية النسبية وليست الحرية المطلقة ..
حرية الانسان في مجال التكليف ..
وهذه الحرية حقيقة ودليلنا عليها شعورنا الفطري بها في داخلنا ..
فنحن نشعر بالمسئولية والندم على الخطأ .. وبالراحة للعمل الطيب ..
ونحن نشعر كل لحظة اننا نختار ونوازن بين احتمالات متعددة .
بل ان وظيفة عقلنا الاولى هي الترجيح والاختيار بين البديلات ..
ونحن نفرق بشكل واضح بين يدنا وهي ترتعش بالحمى .. ويدنا وهي تكتب خطاباً .
فنقول ان الحركة الاولى جبرية قهرية .. والحركة الثانية حرة اختيارية .
ولو كنا مسيرين في الحالتين لما استطعنا التفرقة ..
ويؤكد هذه الحرية ما نشعر به من استحالة اكراه القلب على شيء لا يرضاه تحت أي ضغط ..
فيمكنك ان تُكره امرأة بالتهديد والضرب على ان تخلع ثيابها ..
ولكنك لا تستطيع بأي ضغط او تهديد ان تجعلها تحبك من قلبها ..
ومعنى هذا ان الله اعتق قلوبنا من كل صنوف الاكراه والاجبار وانه فطرها حرة ..
ولهذا جعل القلب والنية عمدة الاحكام .
فالمؤمن الذي ينطق بعبارة الشرك والكفر تحت التهديد والتعذيب لا يحاسب على ذلك طالما ان قلبه من الداخل مطمئن بالايمان وقد استثناه الله من المؤاخذة في قوله تعالى :
)إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ(
والوجه الاخر من الخلط في هذه المسألة ان بعض الناس يفهم حرية الانسان بانها علو على المشيئة .. وانفراد بالامر ..
فيتهم القائلين بالحرية بانهم اشركوا بالله وجعلوا له انداداً يأمرون كأمره . ويحكمون كحكمه . وهذا ما فهمته انت ايضاً .
فقلت بتعدد المشيئات . وهو فهم خاطيء . فالحرية الانسانية لا تعلو المشيئة الالهية ..
ان الانسان قد يفعل بحريته ما ينافي الرضا الالهي ولكنه لا يستطيع ان يفعل ما ينافي المشيئة ..
الله اعطانا الحرية ان نعلو على رضاه ( فنعصيه ) ..
ولكن لم يعط احداً الحرية في ان يعلو على مشيئته . وهنا وجه اخر من وجوه نسبية الحرية الانسانية ..
وكل ما يحدث منا داخل في المشيئة الالهية وضمنها، وان خالف الرضا الالهي وجانب الشريعة ..
وحريتنا ذاتها كانت منحة الهية وهبة منحها لنا الخالق باختياره ولم نأخذها منه كرهاً ولا غصباً ..
ان حريتنا كانت عين مشيئته ..
ومن هنا معنى الاية : )وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ( (الانسان:30)
لان مشيئتنا ضمن مشيئته . ومنحة منه . وهبة من كرمه وفضله .
فهي ضمن ارادته لا ثنائية ولا تناقض . ولا منافسة منا لامر الله وحكمه ..
والقول بالحرية بهذا المعنى لا ينافي التوحيد . ولا يجعل لله انداداً يحكمون كحكمه ويأمرون كامره .. فإن حرياتنا كانت عين امره ومشيئته وحكمه ...
والوجه الثالث للخلط ان بعض من تناولوا مسألة القضاء والقدر والتيسير والتخيير؛ فهموا القضاء والقدر بأنه اكراه للانسان على غير طبعه وطبيعته ..
وهذا خطأ وقعت فيه انت ايضاً ..
وقد نفى الله عن نفسه الاكراه بآيات صريحة :
)إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ( (الشعراء:4)
والمعنى واضح انه كان من الممكن ان نكره الناس على الايمان بالايات الملزمة ولكننا لم نفعل . لانه ليس في سنتنا الاكراه ..
)لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( (البقرة: من الآية256)
)وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(
ليس في سنة الله الاكراه ..
والقضاء والقدر لا يصح ان يفهم على انه اكراه للناس على غير طبائعهم . وانما على العكس ..
الله يقضي على كل انسان من جنس نيته. ويشاء له من جنس مشيئته. ويريد له من جنس ارادته. لا ثنائية .
تسيير الله هو عين تخيير العبد. لانه الله يسير كل امرىء على هوى قلبه وعلى مقتضى نياته .
)مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ( (الشورى:20)
)فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ( (البقرة:10)
)وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ( (محمد:17)
وهو يخاطب الأسرى في القرآن :
)يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( (لأنفال:70)
الله يقضي ويقدر. ويجري قضاؤه وقدره على مقتضى النية والقلب. ان شراً فشر وان خيراً فخير ..
ومعنى هذا انه لا ثنائية .. التسيير هو عين التخيير . ولا ثنائية ولا تناقض ..
الله يسيرنا الى ما اخترناه بقلوبنا ونياتنا. فلا ظلم ولا اكراه ولا جبر. ولا قهر لنا على غير طبائعنا .
( فاما من اعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * واما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى )
)وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى( (لأنفال: من الآية17)
هنا تلتقي رمية العبد والرمية المقدورة من الرب . فتكون رمية واحدة ..
وهذا مفتاح لغز القضاء والقدر على العبد النية. وعلى الله التمكين. ان خيراً فخير وان شرا فشر .
والحرية الانسانية ليست مقداراً ثابتاً . ولكنها نسبية قابلة للزيادة .
الانسان يستطيع ان يزيد من حريته بالعلم . باختراع الوسائل والمواصلات استطاع الانسان ان يطوي الارض . ويهزم المسافات ويخترق قيود الزمان والمكان . وبدراسة قوانين البيئة استطاع ان يتحكم فيها ويسخرها لخدمته .
وعرف كيف يهزم الحر والبرد والظلام . وبذلك يضاعف من حرياته في مجال الفعل .
العلم كان وسيلة الى كسر القيود والاغلال واطلاق الحرية .
اما الوسيلة الثانية فكانت الدين. الاستمداد من الله بالتقرب منه.
والاخذ عنه بالوحي والتلقي والتأييد . وهذه وسيلة الانبياء ومن في دربهم .
سخر سليمان u الجن وركب الريح وكلم الطير بمعونة الله U ومدده .
وشق موسى u البحر .. واحيا المسيح uالموتى . ومشى على الماء . وابراء الاكمه والابرص والاعمى .
ونقرأ عن الاولياء اصحاب الكرامات الذين تطوى لهم الارض وتكشف لهم المغيبات ,
وهي درجات من الحرية اكتسبوها بالاجتهاد في العبادة والتقرب الى الله والتحبب اليه .
فافاض عليهم من علمه المكنون ..
انه العلم مرة اخرى ..
ولكنه هذه المرة العلم (( اللدني ))
ولهذا يلخص ابو حامد الغزالي مشكلة المخير والمسير قائلاً في كلمتين :
( الانسان مخير فيما يعلم .. مسير فيما لا يعلم )
وهو يعني بهذا انه كلما اتسع علمه اتسع مجال حريته .
سواء كان العلم المقصود هو العلم الموضوعي او العلم اللدني .
ويخطئ المفكرون الماديون اشد الخطأ حينما يتصورن الانسان اسير الحتميات التاريخية والطبقية.. ويجعلون منه حلقة في سلسلة من الحلقات لا فكاك له. ولا مهرب من الخضوع لقوانين الاقتصاد وحركة المجتمع. كانما هو قشة في تيار بلا ذراعين وبلا ارادة
والكلمة التي يرددونها ولا يتعبون من ترديدها وكأنها قانون ( حتمية الصراع الطبقي )
وهي كلمة خاطئة في التحليل العلمي . لانه لا حتميات في المجال الانساني ..
وانما على الاكثر ترجيحات واحتمالات . وهذا هو الفرق بين الانسان والتروس .. والآلات والاجسام المادية ..
فيمكن التنبؤ بكسوف الشمس بالدقيقة والثانية ..
ويمكن التنبؤ بحركاتها المستقبلية على مدى الايام والسنين ..
اما الانسان فلا يمكن ان يعلم احد ماذا يضمر وماذا يخبئ في نياته..
وماذا يفعل غداً او بعد غد .
ولا يمكن معرفة هذا الا على سبيل الاحتمالات والترجيح والتخمين .
وذلك على فرض توفر المعلومات الكافية للحكم .
وقد اخطأت جميع تنبؤات كارل ماركس ..
فلم تبدا الشيوعية في بلد متقدم كما تنبأ . بل في بلد متخلف .
ولم يتفاقم الصراع بين الراسمالية والشيوعية. بل تقارب الاثنان الى حالة من التعايش السلمي .
واكثر من هذا فتحت الشيوعية ابوابها لراس المال الامريكي ..
ولم تتصاعد التناقضات في المجتمع الراسمالي الى الافلاس الذي توقعه كارل ماركس .
بل على العكس. ازدهر الاقتصاد الراسمالي ووقع الشقاق والخلاف بين اطراف المعسكر الاشتراكي ذاته ..
اخطأت حسابات ماركس جميعها دالة بذلك على خطأ منهجه الحتمي .
وراينا صراع العصر الذي يحرك التاريخ هو الصراع اللاطبقي بين الصين وروسيا .
وليس الصراع الطبقي الذي جعله ماركس عنوان منهجه .
وكلها شواهد على فشل الفكر المادي في فهم الانسان والتاريخ .
وتخبطه في حساب المستقبل . وجاء كل ذلك نتيجة خطأ جوهري .
هو ان الفكر المادي تصور ان الانسان .. ذبابة في شبكة الحتميات .
ونسي تماماً ان الانسان حر . وان حريته حقيقية ...
اما كلام الماديين عن حكم البيئة والمجتمع والظروف. وان الانسان لا يعيش وحده ولا تتحرك حريته في فراغ .
نقول رداً على هذا الكلام :
ان حكم البيئة والمجتمع والظروف كمقاومات للحرية الفردية انما يؤكد المعنى الجدلي لهذه الحرية ولا ينفيه ..
فالحرية الفردية . لا تؤكد ذاتها الا في وجه مقاومة تزحزحها .
اما اذا كان الانسان يتحرك في فراغ بلا مقاومة ومن أي نوع . فأنه لا يكون حراً بالمعنى المفهوم للحرية .. لانه لن تكون هناك عقبات يتغلب عليها ويؤكد حريته من خلالها ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق